لمحة من المعلومات الضرورية
عن الكتاب المقدس
يقسم الكتاب المقدس إلى قسمين : العهد القديم أي التوراة بأسفارها ال 39 . والعهد الجديد أي الانجيل بأسفاره ال 27 . فأسفار العهد القديم أُكملت بوحي من الله قبل ميلاد المسيح بمئات السنين وعلى فتراتٍ زمنية متباعدة ابتداءً بموسى النبي وانتهاءً بملاخي .
أما أسفار العهد الجديد فاكتملت الكتابة بها ما بين عام 60 – 100 ميلادية . والذين كتبوا أسفار الإنجيل كانوا من رسل المسيح وقديسيه وأتباعه المقربين وقد اصطفاهم وألهمهم لهذه المهام. والتاريخ سجّل أن معظم هؤلاء ماتوا استشهاداً بسبب إيمانهم بالمسيح ، وإخلاصهم وولائهم لعقيدتهم . واستشهادهم كان إما على أيدي اليهود أو الرومان حكام ذلك العصر ..
أما لماذا سميت التوراة بالعهد القديم ، والإنجيل بالعهد الجديد ..
سميت التوراة بالعهد القديم إشارة إلى عهد الله مع الشعب الموسوي القديم ، ولما نكث هؤلاء عهدهم مع الله بعد أن اصطفاهم لنفسه كشعب خاص فكسروا العهود ورفضوا المسيح الذي تنبأت عنه نبوات أنبيائهم بمنتهى الوضوح ، تحول الله عنهم وفتح عهداً جديداً لا لشعبٍ واحدٍ بل لكل شعوب الأرض ، وكانت علامة هذا العهد وختمه هو دم الصليب الذي سال فدية لكل شعوب الأرض ، فمن أقبل إليه وقبله ، صار من شعبه ودخل مع الله في عهد جديد ونال الحياة الأبدية فلذلك سمي الإنجيل بالعهد الجديد .
سأل أحدهم سؤالاً يستحق الوقوف عنده والإجابة عليه قال : لماذا لديكم أربعة أناجيل ؟.. وهل هي متضاربة بعضها مع بعض ؟.. فنقول : صحيح أن لدينا أربعة أسفار يسمى كلٌ منها إنجيل على أسلوب تسمية الجزء باسم الكل . فهذه الأناجيل الأربعة هي أجزاءٌ من الإنجيل الكامل مكملة لبعضها البعض ، وهي تشكل وثائق ربانية شاهدة لسيرة حياة المسيح وتعاليمه ومعجزاته من جوانب متعددة، وكلٌ منها يسمى إنجيل لأن كلمة إنجيل هي كلمة يونانية (وليست عربية) تعني " بشارة سارة " أو خبراً مفرحاً . فالأناجيل الأربعة الصغيرة هي أربعة بشائر سارة ، كل منها يروى جانباً من حياة المسيح لجهة من الناس اهتم بأن يقدم لهم البشرى المفرحة بمجيء المسيح وفدائه بلهجةٍ وأسلوبٍ يتماشى مع طبيعة وحضارة تلك الجهة المستهدفة .
إنجيل القديس متى: فمتّى وجّه خطابه إلى اليهود فتحدث إليهم بأسلوب يفهمه اليهودي ، ولذلك استشهد انجيل متى بكثير من آيات التوراة التي يعرفها اليهود ، والتي تنبأت عن المسيح كي يدرك اليهودي بأن هذا هو المسيا المنتظر الذي كتب عنه أنبياؤهم ، وهذا شجع أعداداً لا تحصى من اليهود فاستجابوا للدعوة وآمنوا بالمسيح ، وانسلخوا عن جسم يهوديتهم ، وعاشوا مسيحيين .
أما إنجيل مرقس فكُتِبَ بلهجةٍ وأسلوبٍ يفهمه الروماني ، والرومان حينها كانوا ولاة العالم وهم وثنيون ، اضطهدوا المسيحية وقاوموها في بداياتها ، فقبلت الكنيسة المسيحية التحدي بصبرٍ وإيمانٍ ومثابرة إلى أن دخل الرومان في المسيحية ، وانحنى النسر الروماني عند أقدام الصليب .
وانجيل لوقا كتبه لوقا ، وهو طبيب يوناني آمن بالمسيح وتكرس لخدمته ، فكتب الإنجيل المسمى باسمه بلغة ولهجةٍ وأسلوبٍ يستسيغه اليونانيون ، فصار اليونانيون فيما بعد من أول الشعوب التي دخلت المسيحية .
أما انجيل يوحنا فكتبه يوحنا الملقب بيوحنا اللاهوتي يخاطب به المسيحيين أنفسهم لتقوية إيمانهم . ويوحنا هذا هو أحد تلاميذ المسيح الذين لازموه كل الوقت ، وكان يوحنا من أقرب التلاميذ للمسيح ، وهو الوحيد بين رسل المسيح الذي لم يمت استشهاداً ، بل مات منفياً في جزيرة بطمس في الأرخبيل اليوناني ، ومات شيخاً متقدماً في السن في حوالي العام المئة الميلادي .. وفي آخر حياته أوحي إليه بسفر الرؤيا آخر أسفار الانجيل .
فخلاصة القول بخصوص الأناجيل الأربعة ، أنها إنجيل واحد في بشائر أربع . فهذه الأناجيل الصغيرة منسجمة مع بعضها ومكمّلة لبعضها البعض ، وتشكل أربعة شهادات لأقوال المسيح وتعاليمه ومعجزاته وصلبه، وآلامه وموته وقيامته .
إن الكتاب المقدس مترجم بلغات العالم أجمع . حتى أصبح الكتاب المقدس هو الكتاب الأكثر مبيعاً والأوسع انتشاراً في العالم ، والترجمات تقوم على أيدي لجانٍ من اللاهوتيين ، والعلماء المختصين بدراسة الكتاب المقدس واللغات التي يترجم إليها. وكل ترجمة تتم من اللغة الأصلية لكي تبقى الترجمة أمينة ، وتنقل المعاني الصحيحة لكلمة الله . والحقيقة تقال أن الترجمات المتنوعة لم تفقد الكتاب طلاوته . فكل الشعوب التي وصل إليها هذا الكتاب الرباني استمتعت بقراءته ، وتأثرت بتعاليمه ، واختارت المسيحية لها طريقاً إلى المجد .
فما أجمل أن نتعرّف على هذا الكتاب ونقرأه يومياً ، فهو الغذاء الروحي الذي يغذّي نفوسنا ، والنور الإلهي الذي ينير سبيلنا ، والمرشد الذي يقود خطانا . فالذين اعتادوا على قراءته يشهدون أنهم بقراءتهم المستمرة لكلمة الله وجدوا خلاصاً أراحهم من كثير من عقد الحياة . ووجدوا رجاءً أكيداً ، وسلاماً في القلب وغذاءً روحياً ، ووجدوا شفاءً ، وصلاحاً وقوةً ، ونصرة . فكلمة الله تُشَخِّصُ الداء وتصف الدواء . فالمتكبر تعلّمه التواضع ، والحقود تعلّمه التسامح ، والمجرم تعلّمه الصلاح، والسارق تعلّمه الأمانة ، واليائس تمنحه الرجاء ، والفظ تعلّمه اللطف ، والكاره تعلّمه المحبة ، والخاطىء تريه طريق الغفران .
قال أحد الفلاسفة يوماً : لو تأملنا في كلمة الله لوجدنا أنها بمثابة مستشفى ، لأنها تشفي الإنسان من عيوبه ونقائصه ، وترد له السلامة والاتزان . وقال آخر : كلمة الله تشبه الصيدلية فلا يدخل إليها مريض إلا ويجد فيها ما يطلبه من دواء . ففي كلمة الله بلسم للحزين وشفاء للمريض ، وغنىً للفقير وخلاص للخاطئ .