[
في التقليد الفني الأرثوذكسي للأيقونات، لا توجد أيقونة تُصوِّر لحظة قيامة المسيح من الموت وخروجه من القبر. فالأناجيل الأربعة لم تذكر شيئاً عن لحظة القيامة، فكل ما كُتب كان وصفاً لِمَا شاهدته المريمات والرسل في صباح أحد القيامة بعد حدوث القيامة:
«وبعد السبت عند فجر أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية ومريم الأخرى لتنظرا القبر، وإذا زلزلة عظيمة حدثت لأن ملاك الرب نزل من السماء وجاء ودحرج الحجر عن الباب وجلس عليه» (مت 28: 2،1)،
«ثم في أول الأسبوع أول الفجر أتين إلى القبر حاملات الحنوط الذي أَعدَدْنه ومعهن أُناس. فوجدن الحجر مدحرجاً عن القبر» (لو 24: 2،1)،
«وفي أول الأسبوع جاءت مريم المجدلية إلى القبر باكراً والظلام باقٍ، فنظرت الحجر مرفوعاً عن القبر» (يو 20: 1).
فالصور التي تُصوِّر المسيح وحده قائماً من القبر ومُمسكاً بعَلَمٍ عليه صليب أحمر بينما الجنود والملائكة يظهرون على كِلاَ الجانبين؛ هذه الصور ليست أيقونات أرثوذكسية بل هي غربية المصدر، لكنها انتشرت في الكنائس مؤخراً.
ذلك لأنها تُصوِّر المسيح وحده، وليس معه البشرية، حسب التقليد الأرثوذكسي في عقيدة القيامة، وبالتالي ليس ”كما في الكتب“ كما نقول في قانون الإيمان.
وعدم تصوير الأيقونة الأرثوذكسية للحظة قيامة المسيح، هو لأن نصوص آيات قيامة المسيح تقرر ما شاهده الشهود صباح أحد القيامة من أن المسيح لم يكن في القبر بل قام حسب قول الملاك:
«ليس هو ههنا لكنه قام» (لو 24: 6)،
ولكنها لا تشرح كيف حدثت القيامة. فسرُّ قيامة المسيح الذي لم يُعلَن هو أعلى وخارج عن الفهم البشري، مثله في هذا مثل لحظة ”التجسُّد“ في بطن العذراء الذي لم يُشرح، لذلك فهو يُسمَّى ”سرَّ التجسُّد“.
سمات أيقونة القيامة ”الأنسطاسي“:
____________________________________
السمة الأساسية لأيقونة القيامة، هي أن المسيح ليس وحده في انتصاره على الموت، لأنه يظهر وهو يُقيم معه شخصيات العهد القديم التي تمثِّل بشريتنا. وهكذا تُصوِّر الأيقونة وجْهَي القيامة كما نعترف بهما في قانون الإيمان كما شرحناهما سابقاً.
التكوين الفني لأيقونة القيامة ”الأنسطاسي“:
__________________________________________
تُصوِّر الأيقونةُ التقليدية للقيامة المسيحَ في واجهة المنظر، أو ملتفتاً تجاه هذا الجانب أو الآخر، مُمسكاً بالصليب كما تقول قسمة عيد القيامة في القداس الإلهي: ”الذي مِن قِبَل صليبه نزل إلى الجحيم“، وصاعداً من الجحيم وقد تحطَّم، وأبوابه النحاس قد تكسَّرت، ومزاليجه ومساميره تطايرت على خلفية المنظر الداكنة؛ وأحياناً يُصوَّر الجحيم كشخصٍ مقيَّدٍ بالسلاسل.
ويظهر المسيح صاعداً وسط لَحْدَين أو قبرَيْن حيث يبرز منهما آدم وحواء، والمسيح يشدُّهما خارجاً، إما وهو مادٌّ يديه لهما، أو وهو ممسكٌ بمعصَمَيهما؛ أو قد يظهر المسيح صاعداً حول قبرٍ واحد به آدم وحواء وقد أخرجهما المسيح منه. ومع هذا المنظر تظهر شخصيات أخرى هي هابيل من جانب، وداود وسليمان الملكَيْن مع يوحنا المعمدان من الجانب الآخر (وقد يُضاف إلى هؤلاء شخصيات أخرى).
وتصوير جِدَّي البشرية (آدم وحواء) يعني حقيقة أن المسيح لم يَقُم لنفسه، بل لكي يفتح الطريق لقيامة البشرية. والشخصيات الأخرى التي تظهر هي رموز للمسيح: هابيل هو رمزٌ لتقدمة المسيح على الصليب،
داود وسليمان هما اللذان أتى المسيح من نسلهما بشرياً وكرمز لخدمته الملوكية، والقديس يوحنا المعمدان باعتباره النبي والسابق المبشِّر بآلام المسيح وقيامته. هؤلاء اشتركوا في القيامة الأولى التي صاحبها تحطيم الجحيم وانفتاح الفردوس.
المراجع الإنجيلية لنزول المسيح إلى الجحيم:
__________________________________________
هناك نصوص من العهد القديم تُصوِّر بطريقة نبويَّة تنبُّؤية قيامة المسيح في وجهيها المنوَّه عنهما في صدر هذا المقال:
+ وهنا نتذكَّر تلك الشواهد (من الترجمة السبعينية) المرتبطة بتحطيم الجحيم:
«لأنك لا تترك نفسي في الجحيم، ولا تَدَع قدوسك يرى فساداً» (مز 15: 10
«أخرجهم من الظلمة وظلال الموت وقطَّع قيودهم... لأنه كسَّر مصاريع (أبواب) نحاس، وقطَّع عوارض حديد» (مز 107: 16،14
«أُكسِّر مصْراعَيْ النحاس، ومغاليق الحديد أقصف» (إش 45: 2).
أما شهادات العهد الجديد فتأتي من عظة القديس بطرس الرسول الأولى يوم الخمسين، حيث يسترجع نبوَّة داود النبي عن انعتاق نفس المسيح من الجحيم وجسده من الفساد (أع 2: 27؛ الرجوع لمزمور 15: 10). وكذلك عظة بولس الرسول في مجمع أنطاكية بيسيدية، حيث يركِّز على نفس النبوَّة (أع 13: 32-37).
عظة القديس بطرس الرسول:
+ [أيها الرجال الإخوة، يسوغ أن يُقال لكم جهاراً عن رئيس الآباء داود إنه مات ودُفن وقبره عندنا حتى اليوم؛ فإذ كان نبياً... تكلَّم عن قيامة المسيح أنه لم تُتْرَك نفسه في الهاوية، ولا رأى جسده فساداً» (أع 2: 29-31
+ وفي رسالته الأولى يضيف القديس بطرس الرسول بيانات إضافية عن نزول المسيح إلى الجحيم:
«الذي فيه أيضاً ذهب فكرز للأرواح التي في السجن، إذ عَصَت قديماً حين كانت أناة الله تنتظر مرةً في أيام نوح» (1بط 3: 20،19).
+ ويشير القديس بولس في سفر أعمال الرسل إلى نبوَّة داود قائلاً:
+[ «أيها الرجال الإسرائيليون والذين يتَّقون الله... نحن نبشِّركم بالموعد الذي صار لآبائنا إن الله قد أكمل هذا لنا نحن أولادهم، إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضاً في المزمور الثاني... إنه أقامه من الأموات غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد، فهكذا قال: إني سأُعطيكم مراحم داود الصادقة. ولذلك قال أيضاً في مزمور آخر: لن تَدَع قدوسك يرى فساداً، لأن داود... رقد... ورأى فساداً. وأما الذي أقامه الله فلم يَرَ فساداً» (أع 13: 16-37
+ وفي رسالته إلى أفسس يشير القديس بولس الرسول إلى نزول المسيح إلى الجحيم حيث يقول: إن المسيح
[نزل أيضاً أولاً إلى أقسام الأرض السفلى» (أف 4: 10،9
هذه العقيدة تتحوَّل إلى صلاة في العبادة الليتورجية:
_________________________________________________
ففي يوم سبت الفرح، وفي ليلة عيد القيامة تتردَّد هذه الحادثة، نزول المسيح إلى الجحيم، في الصلوات والتسابيح، كما في قسمة سبت الفرح حيث يُصلِّي الكاهن:
- [يا يسوع المسيح ذا الاسم المخلِّص الذي بكثرة رحمته نزل إلى الجحيم وأبطل عزَّ الموت
وكذلك في قسمة عيد القيامة المجيدة:
___________________________________
- ”[هذا هو الذي نزل إلى الجحيم، وأبطل عزَّ الموت، وسبى سبياً، وأعطى الناس كرامات. رفع قديسيه إلى العُلا معه (المسيح ليس وحده في القيامة، بل رفع معه قديسيه)، أعطاهم قرباناً لأبيه، بذوقه الموت عنا، خلَّص الأحياء وأعطى النياح للذين ماتوا. ونحن أيضاً الجلوس في الظلمة زمناً، أنعم لنا بنور قيامته من قِبَل تجسُّده الطاهر“.
+ ويُلاحَظ ترديد ما ورد في عظات القديس بطرس والقديس بولس في سفر أعمال الرسل عن نبوَّات العهد القديم التي ذكرناها آنفاً.
وكذلك في قسمة تُقال طوال الخماسين المقدسة بعد قيامة المسيح:
__________________________________________________ _____
-”أيها السيد الرب الإله ضابط الكل أبو ربنا وإلهنا ومخلِّصنا يسوع المسيح. الذي من قِبَل صليبه نزل إلى الجحيم وردَّ أبانا آدم وبنيه إلى الفردوس. ودفننا معه، وبموته أبطل عزَّ الموت، وفي ثالث يوم قام من بين الأموات
+ ويُلاحَظ أيضاً هنا انجماع البشرية ممثَّلة في ”أبينا آدم وبنيه“، وكذلك في ”نون الجماعة“ في ”دفننا معه“.
وفي التسبحة اليومية:
___________________________
هذا ما ترتِّله الكنيسة في ليلة عيد القيامة المجيدة وكل الخماسين المقدسة مُرتِّلة للوجهين المترابطين للقيامة المجيدة: قيامة المسيح، وقيامتنا معه:
- ”بقوته أبطل الموت، وجعل الحياة تضيء لنا. وهو أيضاً الذي مضى إلى الأماكن التي أسفل الأرض. بوابو الجحيم رأوه وخافوا، وأهلك طلقات الموت فلم تستطع أن تمسكه. سحق الأبواب النحاس، وكسَّر المتاريس الحديد، وأخرج مختاريه بفرح عظيم، وأصعدهم معه إلى العلوِّ إلى مواضع راحته، خلَّصهم لأجل اسمه وأظهر قوته لهم
إن تحطيم المسيح للجحيم من خلال موته الخلاصي وقيامته هو بشير وقمة سرِّ الخلاص الذي أضمر تدبير الخلاص أن يكمله. وطالما نحن في زمان الخلاص والتوبة، فالكنيسة لا تكفُّ عن أن تكرز وتحتفل بهذا السر الذي سيكمُل بالقيامة العامة ووقوف البشرية كلها أمام كرسي دينونة المسيح.
المسيح مخلِّص العالم قام:
___________________________
[color="red"]+ «هذه هي القيامة الأولى. مباركٌ ومقدَّسٌ مَن له نصيب في القيامة الأولى. هؤلاء ليس للموت الثاني سلطانٌ عليهم، بل سيكونون كهنة لله والمسيح، وسيملكون معه ألف سنة» (رؤ 20: 6،5[/size]).[/size]