سلسلة مقالات قصيرة عن الروح القدس ـ أبونا متى المسكين
(4)
تنازل الروح
(4)
تنازل الروح
"وملأته
من روح الله بالحكمة والفهم والمعرفة وكل صنعة، لاختراع مخترعات ليعمل فى
الذهب والفضة والنحاس." (خر 31 : 3-4)
عجيبة أن
يمتلئ إنسان بالروح من أجل أعمال يدوية بسيطة! ويُلهَم بالحكمة والفهم وبكل
معرفة، لا لشئ سوى أن يعمل فى النحاس والحديد. إن هذا يبدو شيئاً تافهاً
بسيطاً، فالكل يعتقد أن الرجل إنما يُعطَى إلهاماً لكى يعيش بالروح أفضل
من معيشة أهل هذا العالم. ولكن أن يمتلئ إنسان بالروح من أجل أمور عادية
فى هذه الحياة، ويُؤتَى روح الحكمة، لكى يؤدى أشياء تبدو جميلة لعين الجسد
وحسب، ألا يعتبر هذا تنازلاً عن علو مصدر الإلهام والحياة؟.
كلا، إن هذا
صعود بالإلهام، خفىُّ. فمجد الروح هو فى قدرته وسلطانه لإعلان نفسه، فى
إظهار ذاته فى الأشياء الصغرى، كما فى الكبرى. فالحكمة التى تلهم العقل،
تلهم اليد والعين لمجد الله.
النحاس
والحديد والخشب حينما يلمسه الروح فى حذق الصناعة وحكمتها، يستطيع أن ينطق
بمجد الله. إن جمال الله مُعلًن للعين البسيطة فى كل شئ، حتى وسط البشاعة
والتشويه. وحينما يتقدس القلب بالروح، يستطيع أن يحسّ بالسلام وسط
العاصفة، ويلمح القوة من خلال الضعف، ويؤمن بالحياة ويراها وسط الموت.
+++++++++++++++++++++++++
فياروحالمسيح، الروح الذى وهب الحكمة بصنعة النحاس والحديد الذى فى العالم، أنا
آتى إليك لكى أجد الله فى كل ما أحتاج إليه.
إن ما
أريده ليس العزلة عن العالم، بل سلطان الروح الذى يعمل فى العالم، القدرة
على القيام بالواجبات اليومية العادية.
من أجل
هذا، ألهمنى حكمة للأعمال الجسدية، حتى أستعلن الله فى كل شئ.
اجعلنى
مناسباً لكل خدمة، طالما كل عمل يمكن أن يتخلله الروح.
ساعدنى فى
تكريس كل ما أربحه، لخدمة الحب، ولنفع البشرية، ولإطلاق سراح من هم فى
عبودية الفكر بعيداً عنك، حتى أصنع لك أصدقاء بمال الظلم.
إن تجسد
المسيح سوف يصبح كاملاً عندما تملأنى، أيها الروح، لعمل النحاس والفضة وكل
شئ.