نياحته 25 بشنس
نشأته رجل عصامي نشأ في القرن الثامن عشر من أبوين متواضعين فقيرين تقيين، والده يسمى يوسف الجوهري كان يعمل في الحياكة بقليوب. تعلم في كتّاب بلده الكتابة والحساب وأتقنهما منذ حداثته، فكان يقوم بنسخ بعض الكتب الدينية ويقدمها للبابا يؤانس الثامن عشر (البابا 107). سرّ البابا من غيرته وتقواه وقربه إليه، وكان يقول له: "ليرفع الرب اسمك، ويبارك عملك، وليقم ذكراك إلى الأبد". بدأ عمله ككاتب لدى أحد أمراء المماليك، توسط له البابا لدى المعلم رزق رئيس كتّاب علي بك الكبير، فأتخذه كاتبًا خاصًا له، واستمر في هذه الوظيفة إلى آخر أيام علي بك الكبير الذي ألحقه بخدمته، ولما تولى محمد بك أبو الذهب مشيخة البلد اعتزل المعلم رزق من رئاسة الديوان وحلّ المعلم إبراهيم محله، فبدأ نجمه يتألق في مصر، حتى صار رئيس كتاب القطر المصري في عهد إبراهيم بك، وهي تعادل رتبة رئاسة الوزارة حاليًا .... هذا المركز زاده وداعة واتضاعًا وسخاءً فاجتذب القلوب إليه. تجاربه كان له ابن يدعى يوسف وابنة تسمى دميانة، مات الأول بعد ما أعد له منزلاً بكل إمكانياته ليزوجه .... فكانت نفس الوالدين مرة للغاية حتى سمّر الرجل الباب بمسامير وكسر السلم كي لا يدخل أحد البيت لكن، تحولت المرارة إلى حب شديد لمساعدة الأرامل والأيتام وتعزية كل حزين أو منكوب. وقد ظهر القديس أنبا أنطونيوس لزوجته كما له في نفس الليلة وعزاهما. حدث انقلاب في هيئة الحكام، وحضر إلى مصر حسن باشا قبطان من قبل الباب العالي فقاتل إبراهيم بك شيخ البلد ومراد بك واضطرا إلى الهروب إلى أعالي الصعيد ومعهما إبراهيم الجوهري وبعض الأمراء وكتّابهم .... فنهب قبطان باشا قصور البكوات والأمراء والمشايخ واضطهد المسيحيين، وقام بسلب ممتلكات المعلم إبراهيم وعائلته وكل ما قد أوقفه على الكنائس والأديرة. اضطرت زوجته إلى الاختفاء في بيت حسن أغا كتخدا علي بك، لكن البعض دلّ الباشا عليها، فاستحضرها وأقرت بكل ممتلكاتهما، كما استحضر أيضا ابنتها دميانة التي طلبت من الباشا مهلة، فيها جمعت بعض الفقراء لتقول له: "أن أموال أبي في بطون هؤلاء وعلى أجسامهم" .... ويبدو أن الباشا تأثر لذلك إلى حد ما فلم يبطش بها. عاد إبراهيم بك ومراد بك ومعهما المعلم إبراهيم إلى القاهرة في 7 أغسطس 1791، وكان المعلم إبراهيم محبوبًا من السلطات جدًا ومن الشعب حتى دُعي "سلطان القبط" كما جاء في نقش قديم على حامل الأيقونات لأحد هياكل كنائس دير الأنبا بولا بالجبل الشرقي، وأيضًا في كتابه بقطمارس محفوظ بنفس الدير. قال عنه الجبرتي المؤرخ الشهير: "إنه أدرك بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظيم الصيت والشهرة، مع طول المدة بمصر ما لم يسبق من أبناء جنسه، وكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات، وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يغرب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور، ويداري كل إنسان بما يليق به من المداراة، ويفعل بما يوجب من انجذاب القلوب والمحبة إليه، وعند دخول شهر رمضان كان يرسل إلى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا، وعمرت في أيامه الكنائس والأديرة، وأوقف عليها الأوقاف الجليلة، والأطيان، ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدائرة والغلال". قال عنه الأنبا يوساب الشهير بابن الأبح أسقف جرجا وأخميم إنه كان محبًا لكل الطوائف، يسالم الكل، ويحب الجميع، ويقضي حاجات الكافة ولا يميز أحدًا عن الآخر في قضاء الحق. خلال علاقاته الطيبة مع السلاطين في مصر والأستانة كان يستصدر فرمانات خاصة ببناء الكنائس وإصلاحها. كما قدم الكثير من أمواله أوقافًا للكنائس والأديرة، واهتم بنسخ الكثير من الكتب الدينية على حسابه لتقديمها للكنائس. وداعته قيل أن أخاه جرجس جاءه يوما يشتكي له من بعض الشبان إنهم أهانوه في الطريق، سائلاً إياه أن يتصرف خلال سلطانه، فقال له أنه سيقطع ألسنتهم .... وفي اليوم التالي إذ كان أخوه يسير في نفس الطريق وجد الشبان يحبونه ويكرمونه جدًا. فلما سأل أخاه عما فعله معهم، أجاب أنه أرسل لهم عطايا وخيرات قطعت ألسنتهم عن الشر. قيل عنه أيضًا إنه إذ كان يصلي في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة، وكان متعجلاً أرسل إلى القمص إبراهيم عصفوري – من علماء عصره – يقول له: "المعلم يقول لك أن تسرع قليلاً وتبكر في الصلاة ليتمكن من اللحاق بالديوان". أجابه الكاهن: "المعلم في السماء واحد، والكنيسة لله لا لأحد. فإن لم يعجبه فليبن كنيسة أخرى". إذ سمع المعلم إبراهيم تقبل الإجابة بصدر رحب دون غضب أو ثورة، ولكنه حسب ذلك صوتًا من الله إذ بنى كنيسة باسم الشهيد أبي سيفين بالجهة البحرية لكنيسة السيدة العذراء .... أما الكاهن فجاء يهنئه على بنائها، قائلاً: "حمدًا لله الذي جعل استياءك سببًا في بناء كنيسة أخرى فزادت ميراثك وحسناتك". حبه لخدمة الآخرين عاد المعلم إبراهيم بعد قداس عيد القيامة المجيد ليجد أنوار بيته مطفأة كلها، وإذ سأل زوجته عن السبب أجابته: "كيف نستطيع أن نبتهج بالنور، ونعّيد عيد النور المنبثق من القبر الفارغ وقد حضرت عندي في المساء زوجة قبطي سجين هي وأولادها في حاجة إلى الكسوة والطعام؟! وقد ساعدني الله، فذهبت إلى زوجة المعلم فانوس الذي نجح في استصدار الأمر بإطلاق سراحه". فذهب المعلم إبراهيم وأحضر الرجل وزوجته وأولاده إلى بيته لكي يضيء الأنوار ويبتهج الكل بالعيد أما ما هو أعجب فإن هذا السجين الذي أكرمه المعلم في بيته إذ قدم له عملاً، قال للمعلم بأن هناك صديق له هو أولى منه بهذه الوظيفة وأكثر منه احتياجًا، ففرح المعلم إبراهيم باتساع قلب هذا الرجل ومحبته، وقدم عملاً لصديقه. محبة غالبة للموت انتقل المعلم إبراهيم في 25 بشنس سنة 1511 الموافق 31 مايو 1795، فحزن عليه أمير البلاد إبراهيم بك الذي كان يعزه جدًا، وقد سار في جنازته، ورثاه البابا يؤانس. لم تنته حياته بموته فقد قيل أن رجلاً فقيرًا اعتاد أن يأتيه (ربما من بلد أخرى) بطريقة دورية يطلب معونة، وإذ جاء كعادته وبلغ داره عرف إنه تنيح فحزن جدًا. سأل عن مقبرته، وانطلق إليها يبكي ذاك السخي بمرارة، حتى نام من شدة الحزن، وظهر له المعلم إبراهيم يقول له: "لا تبكِ، أنا لي في ذمة (فلان الزيات ببولاق) عشر بنادقة، فسلّم عليه مني وأطلبها منه فيعطيها لك". إذ استيقظ الرجل خجل أن يذهب إلى المدين. بالليل ظهر له المعلم مرة أخرى في حلم وسأله أن ينفذ ذات الأمر .... لكنه أيضا تردد في الأمر. وفي المرة الثالثة قال له: "لا تقلق، اذهب كما قلت لك، وسأخبره بأمرك". فقام الفقير وذهب إلى الرجل دون أن ينطق بكلمة. تفرس فيه الرجل وطلب منه أن يروي له ما حدث معه. وإذ روى له ذلك، قال: "بالحق نطقت، لأن المعلم إبراهيم تراءى لي أنا أيضا، وأبلغني بالرسالة التي أمرك بها. فإليك ما في ذمتي، وهوذا مثلها أيضا مني". محبة بلا تعصب
نشأته رجل عصامي نشأ في القرن الثامن عشر من أبوين متواضعين فقيرين تقيين، والده يسمى يوسف الجوهري كان يعمل في الحياكة بقليوب. تعلم في كتّاب بلده الكتابة والحساب وأتقنهما منذ حداثته، فكان يقوم بنسخ بعض الكتب الدينية ويقدمها للبابا يؤانس الثامن عشر (البابا 107). سرّ البابا من غيرته وتقواه وقربه إليه، وكان يقول له: "ليرفع الرب اسمك، ويبارك عملك، وليقم ذكراك إلى الأبد". بدأ عمله ككاتب لدى أحد أمراء المماليك، توسط له البابا لدى المعلم رزق رئيس كتّاب علي بك الكبير، فأتخذه كاتبًا خاصًا له، واستمر في هذه الوظيفة إلى آخر أيام علي بك الكبير الذي ألحقه بخدمته، ولما تولى محمد بك أبو الذهب مشيخة البلد اعتزل المعلم رزق من رئاسة الديوان وحلّ المعلم إبراهيم محله، فبدأ نجمه يتألق في مصر، حتى صار رئيس كتاب القطر المصري في عهد إبراهيم بك، وهي تعادل رتبة رئاسة الوزارة حاليًا .... هذا المركز زاده وداعة واتضاعًا وسخاءً فاجتذب القلوب إليه. تجاربه كان له ابن يدعى يوسف وابنة تسمى دميانة، مات الأول بعد ما أعد له منزلاً بكل إمكانياته ليزوجه .... فكانت نفس الوالدين مرة للغاية حتى سمّر الرجل الباب بمسامير وكسر السلم كي لا يدخل أحد البيت لكن، تحولت المرارة إلى حب شديد لمساعدة الأرامل والأيتام وتعزية كل حزين أو منكوب. وقد ظهر القديس أنبا أنطونيوس لزوجته كما له في نفس الليلة وعزاهما. حدث انقلاب في هيئة الحكام، وحضر إلى مصر حسن باشا قبطان من قبل الباب العالي فقاتل إبراهيم بك شيخ البلد ومراد بك واضطرا إلى الهروب إلى أعالي الصعيد ومعهما إبراهيم الجوهري وبعض الأمراء وكتّابهم .... فنهب قبطان باشا قصور البكوات والأمراء والمشايخ واضطهد المسيحيين، وقام بسلب ممتلكات المعلم إبراهيم وعائلته وكل ما قد أوقفه على الكنائس والأديرة. اضطرت زوجته إلى الاختفاء في بيت حسن أغا كتخدا علي بك، لكن البعض دلّ الباشا عليها، فاستحضرها وأقرت بكل ممتلكاتهما، كما استحضر أيضا ابنتها دميانة التي طلبت من الباشا مهلة، فيها جمعت بعض الفقراء لتقول له: "أن أموال أبي في بطون هؤلاء وعلى أجسامهم" .... ويبدو أن الباشا تأثر لذلك إلى حد ما فلم يبطش بها. عاد إبراهيم بك ومراد بك ومعهما المعلم إبراهيم إلى القاهرة في 7 أغسطس 1791، وكان المعلم إبراهيم محبوبًا من السلطات جدًا ومن الشعب حتى دُعي "سلطان القبط" كما جاء في نقش قديم على حامل الأيقونات لأحد هياكل كنائس دير الأنبا بولا بالجبل الشرقي، وأيضًا في كتابه بقطمارس محفوظ بنفس الدير. قال عنه الجبرتي المؤرخ الشهير: "إنه أدرك بمصر من العظمة ونفاذ الكلمة وعظيم الصيت والشهرة، مع طول المدة بمصر ما لم يسبق من أبناء جنسه، وكان هو المشار إليه في الكليات والجزئيات، وكان من دهاقين العالم ودهاتهم لا يغرب عن ذهنه شيء من دقائق الأمور، ويداري كل إنسان بما يليق به من المداراة، ويفعل بما يوجب من انجذاب القلوب والمحبة إليه، وعند دخول شهر رمضان كان يرسل إلى غالب أرباب المظاهر ومن دونهم الشموع والهدايا، وعمرت في أيامه الكنائس والأديرة، وأوقف عليها الأوقاف الجليلة، والأطيان، ورتب لها المرتبات العظيمة والأرزاق الدائرة والغلال". قال عنه الأنبا يوساب الشهير بابن الأبح أسقف جرجا وأخميم إنه كان محبًا لكل الطوائف، يسالم الكل، ويحب الجميع، ويقضي حاجات الكافة ولا يميز أحدًا عن الآخر في قضاء الحق. خلال علاقاته الطيبة مع السلاطين في مصر والأستانة كان يستصدر فرمانات خاصة ببناء الكنائس وإصلاحها. كما قدم الكثير من أمواله أوقافًا للكنائس والأديرة، واهتم بنسخ الكثير من الكتب الدينية على حسابه لتقديمها للكنائس. وداعته قيل أن أخاه جرجس جاءه يوما يشتكي له من بعض الشبان إنهم أهانوه في الطريق، سائلاً إياه أن يتصرف خلال سلطانه، فقال له أنه سيقطع ألسنتهم .... وفي اليوم التالي إذ كان أخوه يسير في نفس الطريق وجد الشبان يحبونه ويكرمونه جدًا. فلما سأل أخاه عما فعله معهم، أجاب أنه أرسل لهم عطايا وخيرات قطعت ألسنتهم عن الشر. قيل عنه أيضًا إنه إذ كان يصلي في كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة، وكان متعجلاً أرسل إلى القمص إبراهيم عصفوري – من علماء عصره – يقول له: "المعلم يقول لك أن تسرع قليلاً وتبكر في الصلاة ليتمكن من اللحاق بالديوان". أجابه الكاهن: "المعلم في السماء واحد، والكنيسة لله لا لأحد. فإن لم يعجبه فليبن كنيسة أخرى". إذ سمع المعلم إبراهيم تقبل الإجابة بصدر رحب دون غضب أو ثورة، ولكنه حسب ذلك صوتًا من الله إذ بنى كنيسة باسم الشهيد أبي سيفين بالجهة البحرية لكنيسة السيدة العذراء .... أما الكاهن فجاء يهنئه على بنائها، قائلاً: "حمدًا لله الذي جعل استياءك سببًا في بناء كنيسة أخرى فزادت ميراثك وحسناتك". حبه لخدمة الآخرين عاد المعلم إبراهيم بعد قداس عيد القيامة المجيد ليجد أنوار بيته مطفأة كلها، وإذ سأل زوجته عن السبب أجابته: "كيف نستطيع أن نبتهج بالنور، ونعّيد عيد النور المنبثق من القبر الفارغ وقد حضرت عندي في المساء زوجة قبطي سجين هي وأولادها في حاجة إلى الكسوة والطعام؟! وقد ساعدني الله، فذهبت إلى زوجة المعلم فانوس الذي نجح في استصدار الأمر بإطلاق سراحه". فذهب المعلم إبراهيم وأحضر الرجل وزوجته وأولاده إلى بيته لكي يضيء الأنوار ويبتهج الكل بالعيد أما ما هو أعجب فإن هذا السجين الذي أكرمه المعلم في بيته إذ قدم له عملاً، قال للمعلم بأن هناك صديق له هو أولى منه بهذه الوظيفة وأكثر منه احتياجًا، ففرح المعلم إبراهيم باتساع قلب هذا الرجل ومحبته، وقدم عملاً لصديقه. محبة غالبة للموت انتقل المعلم إبراهيم في 25 بشنس سنة 1511 الموافق 31 مايو 1795، فحزن عليه أمير البلاد إبراهيم بك الذي كان يعزه جدًا، وقد سار في جنازته، ورثاه البابا يؤانس. لم تنته حياته بموته فقد قيل أن رجلاً فقيرًا اعتاد أن يأتيه (ربما من بلد أخرى) بطريقة دورية يطلب معونة، وإذ جاء كعادته وبلغ داره عرف إنه تنيح فحزن جدًا. سأل عن مقبرته، وانطلق إليها يبكي ذاك السخي بمرارة، حتى نام من شدة الحزن، وظهر له المعلم إبراهيم يقول له: "لا تبكِ، أنا لي في ذمة (فلان الزيات ببولاق) عشر بنادقة، فسلّم عليه مني وأطلبها منه فيعطيها لك". إذ استيقظ الرجل خجل أن يذهب إلى المدين. بالليل ظهر له المعلم مرة أخرى في حلم وسأله أن ينفذ ذات الأمر .... لكنه أيضا تردد في الأمر. وفي المرة الثالثة قال له: "لا تقلق، اذهب كما قلت لك، وسأخبره بأمرك". فقام الفقير وذهب إلى الرجل دون أن ينطق بكلمة. تفرس فيه الرجل وطلب منه أن يروي له ما حدث معه. وإذ روى له ذلك، قال: "بالحق نطقت، لأن المعلم إبراهيم تراءى لي أنا أيضا، وأبلغني بالرسالة التي أمرك بها. فإليك ما في ذمتي، وهوذا مثلها أيضا مني". محبة بلا تعصب