فكرة عامة عن الاسفار القانونيه الثانيه
لم يقم البروتستانت بوضع هذه الأسفار في طبعة الكتاب المقدس المنتشرة بين أيدينا، على الرغم من أن كلا من الأرثوذكس والكاثوليك يؤمنون بقانونية هذه الأسفار. والبروتستانت يعتبرون هذه الأسفار لا ترتقي إلى مستوى الوحي الإلهي، وهي من وجة نظرهم أسفاراً مدسوسة، وتضم موضوعات غير ذات أهمية وخرافات لا يقبولنها! مع العلم بأن الأرثوذكس هم الطائفة المسيحية الأولى تاريخياً في العالم، وبعدهم الكاثوليك.. أما البروتستانت فهم طائفة حديثة نسبياً (بعد 16 قرناً من بداية المسيحية)!!!
لمذا حذف البروتستانت هذه الأسفار؟
1- يقولون أن هذه الأسفار لم تدخل ضمن أسفار العهد القديم التي جمعها عزرا الكاهن لما جمع أسفار التوراة سنة 534 ق.م. والرد على ذلك أن بعض هذه الأسفار تعذَّر العثور عليها أيام عزرا بسبب تشتت اليهود بين الممالك. كما أن البعض الآخر منها كُتِب بعد زمن عزرا الكاهن.
2- يقولون أنها لم ترد ضمن قائمة الأسفار القانونية للتوراة التى أوردها "يوسيفوس" المؤرخ اليهودى فى كتابه. والرد على ذلك أن يوسيفوس نفسة بعد أن سرد الأسفار التى حمعها عزرا كتب قائلاً (إن الأسفار التى وضعت بعد أيام ارتحستا الملك كانت لها مكانتها عند اليهود. غير أنها لم تكن عندهم مؤيدة بالنص تأيد الأسفار القانونية لأن تعاقب الكتبة الملهمين لم يكن عندهم فى تمات التحقيق) كتابة ضد إيبون رأس 8.
3- يقولون أن لفظة (أبو كريفا) التى أطلقت على هذة الأسفار، وهى تعنى الأسفار المدسوسة والمشكوك فيها, كان أول من استعملها هو (ماليتون) اسقف مدينه سادوس فى القرن الثانى الميلادى. وإذاً فالشك فى هذة الأسفار قديم. ونقول نحن أن أسفار الأبوكريفا الأصليه هى أسفار أخرى غير هذة. فهناك أسفار أخرى كثيرة لفقها اليهود والهراطقة وقد رفضها المسيحيون بإجماع الآراء. وإذا فلا معنى أن نضع الأسفار القانونية المحذوفة فى مستوى هذه الأسفار التى أجمع الكل على رفضها.
4- يقولون أن بعض الآباء اللآهوتيين القدامى والمشهود لهم وخصوا منهم أورجانيوس وإيرونيموس لم يضمنوا هذه الأسفار فى قوائم الأسفار القانونية للعهد القديم. بل ان إيرونيموس الذى كتب مقدمات لأغلب أسفار التوراة وضع هذه الأسفار المحذوفة فى مكان خاص بها بأعتبارها مدسوسة ومشكوك فى صحتها. ونرد على ذلك بأنة، وإن كان بعض اللاهوتيين أغفلوا قانونية هذه الأسفار أول الأمر، إلا أنهم ومنهم أويجانوس وإيرونيموس عادوا وأقروا هذه الأسفار واستشهدوا بها. كما نضيف أيضاً.أنة وإن البعض القليل لم يورد هذه الأسفار ضمن قائمة الأسفار الخاصة بالتوراة اعتماداً على كلام يوسيفوس المؤرخ اليهودى اواستناداً لآراء بعض اليهود الأفراد الذين كان مذهبهم حذف أجزاء الكتاب التى تقرعهم بالملائمة بسبب مخازيهم وتعدياتهم، إلا أن الكثيرين من مشاهير آباء الكنيسة غير من ذكرنا اعترفوا بقانونية هذه الأسفار وأثبتوا صحتها واستشهدوا بما ورد فيها من آيات. ومن أمثلة هؤلاء إكليمندس الرومانى وبوليكربوس من آباء الجيل الأول، وإيريناوس من آباء الجيل الثانى، وإكليمندس الاسكندرى وديوناسيوس الاسكندرى وأوريجانوس وكبريانوس وترتوليانوس وأمبروسيوس وإيلاريوس ويوحنا فم الذهب وإيرونيموس وأغسطينوس من آباء الجيل الرابع. وغير هؤلاء أيضا مثل كيرلس الأورشليمى وإغريغوريوس النرينزى والنيصى وأوسابيوس القيصرى. وكل هؤلاء نظموا هذة الأسفار ضمن الأسفار القانونية للكتاب واستشهدوا بها فى كتبهم ورسائلهم وتفاسيرهم وشروحاتهم وخطبهم وردودهم على المهرطقين والمبتدعين. وقد وردت شهادات هؤلاء الآباء عن الأسفار المحذوفة وباقى أسفار الكتاب المقدس فى الكتاب المشهور (اللاهوت العقيدى) تأليف (فيات).
5- يقول البروتستانت أن اليهود لم يعترفوا بهذه الأسفار خصوصاً وانها فى الغالب كتبت فى وقت متأخر بعد عزرا فضلاً عن أن هناك أمور تحمل على الظن أن هذة الأسفار كتبت أساساً باللغة اليونانية التى لم يكن يعرفها اليهود. ونرد على هذا بالقول أن اليهود وإن كانوا قد اعتبروا هذه الأسفار أولاً فى منزلة أقل من باقى أسفار التوراة بسبب أن تعاقب الكتبة الملهمين لم يكن عندهم فى تمام التحقيق، إلا أنهم بعد ذلك اعتبروا هذة الأسفار فى منزلة واحدة مع باقى الأسفار. كما أن الظن بأن هذة الأسفار غالباً كتبت أصلاً باللغة اليونانية، يلغيه أن الترجمة السبعينية التى ترجمت بموجبها جميع أسفار التوراه من اللغة العبرية الى اللغة اليونانية، وكانت ترجمتها فى الاسكندرية فى عهد الملك بطليموس الثانى فيلادلفوس سنة 285 ق.م. لفائدة اليهود المصريين الذين كانوا لايعرفون العبرية بل اليونانية.... هذه الترجمة لأسفار التوراة تضمنت الأسفار المحذوفة دليلاً على أنها من الأسفار المعتمدة من اليهود ودليلاً على أنها لم تكتب أصلاً باليونانية. هذا بالاضافة إلى أن النسخ الأثرية القديمة المخطوطة الأخرى من التوراة وهى النسخ السينائية والفاتيكانية والاسكندرية وكذلك النسخة المترجمة للقبطية التى تعتبر أقدم الترجمات بعد السبعينية وكذا الترجمات القديمة العبرية ومن بينها ترجمات سيماك وأكويلا وتاودوسيون والترجمة اللاتينية والترجمة الحبشية، تضمنت جميعها الأسفار المحذوفة حتى الآن فى مكتبات لندن وباريس وروما وبطرسبرج والفاتيكان.
6- يقول البروتستانت أن هذة الأسفار لا ترتفع الى المستوى الروحى لباقى أسفار التوراة ولذا فلا يمكن القول أنة موحى بها. ونحن نقول ان البروتستانت اعتادوا فيما يتعلق بالعقائد الأساسية والمعلومات الإيمانية ان يقللوا من أهمية الدليل على صدقها دون أن يبينوا سبب ذلك بوضوح. وهى قاعدة واضحة البطلان. ونضيف أن الأسفار التى حذفها البروتستانت تتضمن أحداث تاريخية لم يختلف المؤرخون على صدقها. كما أنها تعرض لنماذج حية من الأتقياء القديسين. فضلاً عن أنها تتضمن نبؤات عن السيد المسيح وكذا أقوالاً حكيمة غاية فى الكمال والجمال ولا معنى إذاً للقول أن الاسفار التى حذفوها غير موحى بها.
دراسة تاريخية تؤكد صحة الأسفار المحذوفة:
مع احترمنا لمبدأ الحوار والمناقشة الحرة مع البروتستانت، وقد سبق أن فندّنا إدعاءاتهم بشأن عدم قانونية الأسفار المحذوفة، نأتى هنا ببعض الكلمات والأحداث التى لا سبيل لإنكارها لنؤكد صدق وصحة هذة الأسفار:
1- واضح من دراسة تاريخ البروتستانت والكنيسة أنها مذهب مبنى على المعارضة والاحتجاج وقد قامت بالفعل حروب بين البروتستانت والكنيسة البابوية برئاسة البابا بولس العاشر قتل فيها عشرات الآلاف وأحرقت ودمرت فيها بعض المدن ومئات من الكنائس والأديرة. وقد اشتهر (مارتن لوثر) قائد الثورة البروتستانتية وبعض أتباعه بالشطط والكبرياء. ومن أقوال لوثر المشهورة (إننى أقول بدون إفتخار أنة منذ ألف سنة لم ينظف الكتاب أحسن تنظيف ولم يفسر أحسن تفسير ولم يدرك أحسن إدراك أكثر مما نظفته وفسرته وأدركته) ونظن أنة بعد هذا الكلام لا نتوقع منة إلا أن يحذف من الكتاب بعض الأسفار الموحى بها. بل إن لوثر وأتباعة حذفوا فى زمانهم أسفاراً أخرى من العهد الجديد مثل سفر الأعمال ورسالة يعقوب. وقيل أنهم حذفوا أيضا سفر الرؤيا. غير أنهم أعادوا هذه الأسفار لمكانها فى الكتاب المقدس لما أكل الناس وجوههم!!
2- لعل مما خلط على الأذهان فيما يتعلق بموقف البروتستانت بعد ثورتهم على الكنيسة الكاثوليكية البابوية من هذه الأسفار، أن مادعوه بالأبوكريفا لم يكن فقط هذة الأسفار التى اعتبرها الأرثوذكس والكاثوليك قانونية، ولكن كانت هناك أسفار أخرى مرفوضة تماماً حتى من الكاثوليك والأرثوذكس ولم تقرها أى كنيسة فى العالم مثل سفر عزرا الثالث وسفر عزرا الرابع و سفر أخنوخ وغيرها.
3- العجيب أن بعض الكنائس البروتستانتية تختلف فيما بينها حول قانونية هذه الأسفار. ويكاد يميل إلى قبولها من بين هذه الكنائس الأسقفية الإنجليكانية والكنيسة البروتستانتية الألمانية.
4- لما حدث مناقشة عن قانونية هذه الأسفار فى الأجيال الأولى للمسيحية، تقرر بالإجماع تضمينها كتب القراءات الخاصة بالخدمات الكنيسة. وفى كنيستنا القبطية الارثوذكسية نقرأ فصولاً من هذه الأسفار ضمن قراءات الصوم الكبير وأسبوع الآلام اعتباراً من باكر يوم الجمعه من الأسبوع الثالث للصوم إلى صباح سبت الفرح وحتى ليلة عيد القيامة ذاتها. وكذلك تعترف معنا بها كنيسة انطاكية والكنيسة الرومانية الكاثوليكية والكنيسة اليونانية الأرثوذكسية والكنيسة البيزنطية وباقى الكنائس التقليدية.
5- وردت هذه الأسفار ضمن الكتب القانونية فى قوانين الرسل. وقد أثبتها الشيخ الصفى بن العسال فى كتابة ( مجموع القوانين - الباب الثانى) كما أثبتها أخوة الشيخ اسحق بن العسال فى كتابه (أصول الدين) وتبعهما أيضا القس شمس الرياس الملقب بابن كبر فى كتابة (مصباح الظلمة).
6- عقدت أيضا مجامع كثيرة على ممر العصور لتأكيد عقيدة الكنيسة فى قانونية هذه الأسفار. ونذكر منها مجمع هيبو عام 393 م. الذى حضرة القديس أغسطينوس. ومجمع قرطاجنة عام 397 م، ومجمع قرطاجنة الثانى عام 419 م، ومجمع ترنت عام 1456 م للكنيسة الكاثوليكية، ومجمع القسطنطينية الذى كمل فى ياش عام 1642 م، ومجمع أورشليم للكنيسة الأرثوذكسية اليونانية عام 1982 م.