العالم، تاريخ. تاريخ العالم محاولة لتتبع التطور البشري. رغم أن البشر عاشوا على هذه اليابسة منذ
حوالي مليوني سنة تقريبًا كما يقول بعض العلماء، إلا أن تاريخ العالم لم يبدأ إلا منذ حوالي 5500
(خمسة آلاف وخمسمائة عام) مع اختراع الكتابة. والكتابة منذ بدايتها نحو عام 3500 ق.م هي
الوسيلة الوحيدة لمعرفة ما كتبه البشر عن أنفسهم وحياتهم وحضاراتهم. لذلك يُسمِّي علماء الآثار
الفترة السابقة على الكتابة عصور ما قبل التاريخ.
أدت معرفة الإنسان بالزراعة نحو عام 9000 ق.م، ثم معرفته الكتابة فيما بعد، إلى بزوغ الحضارات
الأولى، التي ظهرت وتطورت بعضها بمعزل عن بعض، وكانت كل واحدة منها تعتمد على مواردها
الطبيعية وابتكارات أهلها، ولكنها اتصلت بعضها ببعض فيما بعد، وتبادلت الأفكار والمهارات.
ثم جاءت فترة من تاريخ العالم قامت فيها إمبراطوريات عظيمة سادت ثم بادت. ومن الحضارات التي
كان لها أثر مستمر إلى يومنا هذا، الحضارتان: الكلاسيكية اليونانية ـ الرومانية في أوروبا الغربية
وأمريكا وأستراليا، والحضارة الإسلامية في الشرق حيث ظهرت ديانات مختلفة، وبرز فلاسفة عديدون.
أما التاريخ الحديث، المؤرَّخ له بنحو 500 سنة مضت فقد اتسم بظهور الحضارة الغربية وتأثيرها
البالغ على العالم بما تيسر لها من إمكانات مادية وتقدم تقني (تكنولوجي). فاستطاعت أن تترك آثارها
من آراء سياسية ودينية واقتصادية واجتماعية في البلاد الكثيرة التي تعرضت لهيمنتها. ولعل أهم ما
يميز عالمنا المعاصر هو أنه على الرغم من حواجز عدّة ظلّت تفرّق بين سكانه ـ مثل الحواجز
الثقافية، وحواجز الزمن والمسافة ـ فإن سبل المواصلات والاتصالات الحديثة قرّبت بينهم وجعلتهم
يؤثِّرون ويتأثرون بما يجري حولهم في العالم، كما جعلت ثقافات العالم المختلفة تبدو كأنها تتمازج
وتنصهر في ثقافة عالمية مشتركة، ومن ثم فإن الكثيرين يرون أن تاريخ العالم ماهو إلا قصة الطريقة
التي جعلت تلك الحضارات تتقارب، وتدنو بعضها من بعض.
وقد أدى اكتشاف الزراعة وتطور أساليبها، واستئناس الحيوان إلى استقرار إنسان ما قبل التاريخ في
قرى، سرعان ما تطور بعضها فصار مدنًا شهدت حركة حضارية. وكانت ممارسة الزراعة قد أحدثت
تغييرات تقنية واجتماعية في حياة الناس، حيث استعملوا أدوات متطورة وعرفوا العمل الجماعي، وكان
لابد من ظهور أنظمة حكم تدير وتوجه مثل هذا النشاط الجماعي.
المراكز الحضارية القديمة
قيام الحضارات الأولى
بحلول عام 3500 ق.م، بدأ التحضر أولاً في جنوب غربي آسيا، ثم في مناطق أخرى من إفريقيا وجنوب
وشرق آسيا، وقد قامت كل تلك الحضارات على ضفاف الأنهار وفي أوديتها وحيثما توفر الماء والأرض
الخصبة ومن ثمَّ سهولة زراعة أراضيها. ومن هذه الوديان: 1- وادي الرافدين، 2- وادي النيل، 3-
بلاد الشام. 4- كوش، 5- وادي السند، 6- وادي نهر هوانج هي. 7- الجزيرة العربية، 8- أكسوم.
أما باقي أنحاء العالم في آسيا وإفريقيا وأوروبا فقد كانت تعيش حياتها القديمة.
من 3500 ق.م. الى 1200 ق.م
وادي الرافدين (دجلة والفرات). يعد وادي الرافدين واحدًا من أخصب بقاع العالم لوفرة الماء والطمي
الذي تأتي به مياه نهرية من منابعها في المناطق الجبلية. لذا قامت فيه واحدة من أعرق الحضارات
الإنسانية. فقد مورست الزراعة التي أدَّت إلى الاستقرار في القرى في جنوبي الوادي في منطقة عرفت
باسم سومر، حيث مارس أهلها الزراعة والصيد، وبرعوا في بناء السدود، وقنوات المياها لري
أراضيهم الزراعية وحمايتها، وكان إنجازهم الأكبر في تاريخ العالم هو اختراعهم لنوع من الكتابة في
حوالي عام 3500 ق.م. بدأت كتابتهم تصويرية ثم تطورت إلى شكل غير تصويري يعرف بالمسماري
(الأسفيني) لأن مكونات الرموز تشبه المسامير (الأسافين)، والأخيرة ترجمة للاسم الذي أعطاها إياه
الكلاسيكيون وهو كيونيفورم (الكتابة المسمارية). ومعظم ما كتبه السومريون ومن جاء بعدهم في
وادي الرافدين كان على ألواح (رُقم) طينية تطبع عليها الرموز طبعًا. وقد أشارت الألواح التي وجدت
إلى مستوى عال من الثقافة.
وقد استعمل السومريون الطوب المحروق لبناء القصور الفخمة والمعابد الكبيرة، وكانت لهم دياناتهم
الخاصة كما أنهم عرفوا نظام الحساب. وهو العد في وحدات ستينية (كل 60 تمثل وحدة). كانت البلاد
في العهد السومري مدنًا، غير متحدة، وتتصارع فيما بينها. وكان من أشهر هذه المدن أور، ونّفر،
وأريدو، وأمَّا، ولاغش. وكان وادي الرافدين عرضة لغزوات وهجرات متكررة من جيرانه شرقًا وغربًا
وشمالاً، ساميين وغير ساميين. وكانت أهم الهجرات هي هجرات الساميين من بلاد الشام وهم الذين
عُرفوا فيما بعد بالأكَّاديين منذ نحو 3000 ق.م. كما حدثت هجرة سامية في فترة لاحقة أثمرت ظهور
آشور وبابل، التي كان من أشهر ملوكها حمورابي
وادي النيـــــــــل.
بدأت الحضارة فيه منذ عام 3100 قبل الميلاد، وكانت البلاد منقسمة إلى إقليمين، شمالي وهو الوجه
البحري، وجنوبي وهو الوجه القبلي. وتم توحيدهما في نحو عام 3100 ق.م على يد ملك من الوجه
القبلي اسمه نعرمر (مينا). وظلت مصر متحدة سياسيًا طوال تاريخها القديم، فيما عدا فترات ضعف
كانت تتوحد مرة أخرى بعدها. وحكمتها أُسَر بلغت إحدى وثلاثين أسرة. وعرف المصريون الكتابة
التصويرية الهيروغليفية، وتفرّع عنها نوع من الخط غير التصويري للحياة اليومية اسمه الهيراطيقي
الذي أدى إلى الديموطيقي. وكان الخطان التصويري وغير التصويري يستخدمان معًا، كلٌّ لغرضه. وهم
أول من اخترع ورق البَردي للكتابة عليه بقلم من البوص. وكانوا متدينين جدًا، فبنوا معابدهم من
الحجارة، ومساكنهم من الطين أو الطوب المحروق وغير المحروق. وتميّزت دياناتهم بالإيمان بحياة بعد
الموت، لذا كان حرصهم على الحياة الآخرة، ببناء القبور وتزويدها بأمتعة وأثاث لاعتقادهم أن الميت
قد يحتاجه في حياته الآخرة، ولذا حنّطوا موتاهم أملاً في ألا تفنى أجسادهم في الحياة الآخرة. كما بنوا
الأهرامات لتكون مدافن لهم، أو لتعلو مدافن ملوكهم وملكاتهم وسادتهم. وقد ظلّت الأهرامات معجزة
هندسية ومن عجائب العالم السبع. وكانت حضارتهم راقية، فعرفوا الآداب والطب والهندسة والحساب
والفن والصناعات الراقية الدقيقة. وامتد حكمهم إلى ماوراء وادي النيل، فقد حكموا في القرن الخامس
عشر قبل الميلاد منطقة سوريا الكبرى، وأجزاء من السودان الشمالي، كما أدّت هذه الحضارة دورًا
مهمًا في حركة التجارة العالمية وذلك بسبب موقعها الاستراتيجي من آسيا وإفريقيا.
في الفترة بين القرنين الثالث عشر والثاني عشر قبل الميلاد بدأ التدهور يعتري حضارة المصريين
القدماء، بسبب الغزوات التي تعرضت لها ممن عرفوا بشعوب البحر، وهم شعوب جاءت من وسط
أوروبا وغزت العالم القديم برًا وبحرًا ومنه مصر التي تمكنت من صدها ثم تدهورت الأحوال ووقعت
مصر تحت الحكم الأجنبي.
بلاد الشام وفلسطين.
كانت بلاد الشام مجالاً لمساهمات حضارية متميزة خلال عصور ما قبل التاريخ والعصور التاريخية.
فقد سبقت فلسطين غيرها من العالم القديم في اكتشاف الزراعة، واستئناس الحيوان المصاحب لها،
ونشوء المستوطنات السكانية المستقرة في أريحا وغيرها، منذ الألف التاسع قبل الميلاد. وتطورت تلك
المستوطنات إلى قرى، تطور بعضها إلى مدن فيما بعد، وممالك صغيرة متمثلة في مدن ـ دول. وفي
الألف الثالث قبل الميلاد سادت مملكة إيبلا في سوريا، مضيفة تجربة مهمة في نظم الحكم آنذاك، بملكية
انتخابية، يحكم فيها الملك المنتخب لسبع سنوات، يمكن تجديدها لسبع أخرى، ويعاونه مجلس
استشاري مكون من ملوك سابقين وآخرين يُنتخب منهم الملوك الجدد. لكن هذه الملكية الانتخابية
سرعان ما تحولت إلى دائمة ووراثية. ويعود لفلسطين وبلاد الشام الفضل في الاستفادة من تجارب
الكتابة في وادي الرافدين ووادي النيل والخروج بكتابتين أبجديتين مطلقتين أولاهما هي الكتابة
الفينيقية التي جاءت منها الأبجديات القديمة والحالية، السامية (الآرامية، العبرية، الموابية، النبطية،
العربية، المسند) وغير السامية (اليونانية واللاتينية والأبجديات الأفرنجية المنحدرة منهما). والثانية
هي الكتابة الأوجريتية من رأس شمرا في سوريا المكتوبة برموز مسمارية. هذا عدا ما نزل في
فلسطين من رسالات سماوية هي اليهودية والنصرانية. وتعد بلاد الشام وفلسطين بصفة عامة ملتقى
للحضارات المهمة في العالم القديم.
كوش. إلى الجنوب من مصر، في كوش (السودان القديم)، قامت حضارات منذ عصور مبكرة
يؤرخ أول كيان سياسي حضري لكوش بنحو 2500ق.م.، تبلور فيما بعد، وبرزت له مساهمات في
الحضارة الإنسانية. فقامت مراكز حضرية عدة في أودية أنهار كوش وسهولها، توفرت لها عوامل
الزراعة والري والرعي، فاجتمعت هذه المراكز في وقت ما في ملكية ذات طابع مميز خاص بها،
استمرت لقرون طويلة، وكانت من أوضح سمات حضارة كوش. وعرفت كوش نظامًا اجتماعيًا للأم فيه
أهمية، كما عرفت نظامًا دينيًا تعبديًا وجنائزيًا، بمعبودات محلية وأخرى مصرية، فيه اعتقاد بحياة
آخرة. وكان لابد لكوش من لغة مكتوبة لشؤونها السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية. استخدم
الكوشيون في بداية تاريخهم اللغة المصرية بخطها المصري ونظامه المعقد إلى أن كتبوا لغتهم
الكوشية المعروفة باللغة المروية في أول القرن الثاني قبل الميلاد، بخطين أبجديين برموز مصرية
الأصل. وإن غلب على حضارة كوش الطابع المحلي فإنها لم تخل من تأثيرات مصرية كثيرة، واضحة
وعريقة، وأخرى هيلينستية ورومانية جاءت من مصر. وإلى جانب مساهمتها الحضارية فإن كوش
قامت بوساطة حضارية بين مصر وشرق إفريقيا من جهة وما وراء كوش في وسط إفريقيا وغربها من
جهة أخرى، بفضل وسطيتها الجغرافية بين هذه الأماكن، التي انعكست في وسطية تجارية أيضًا من
أواخر القرن الأول قبل الميلاد إلى القرن الثالث الميلادي.
أكـــــــــسوم.
نحو القرن الأول الميلادي برزت مملكة أكسوم في الحبشة في شرقي إفريقيا، متخذة مدينة أكسوم
عاصمة لها. بلغت مملكة أكسوم ذروة مجدها السياسي والحضاري في القرن الرابع الميلادي. بما أن
جذور مملكة أكسوم ترجع إلى قبيلة حبشت العربية الجنوبية، فإن السمات العربية الجنوبية واضحة في
حضارتها في لغتها السامية (الجعزية) وخطها المأخوذ مباشرة من المسند (العربي) الجنوبي، وديانتها
التي تغلب عليها المعبودات العربية الجنوبية وعمارتها الدينية والمدنية التي تنطلق من عمارة المعبد
العربي الجنوبي. لكن الجانب العربي ليس وحده البارز في حضارة أكسوم، إذ هناك الجانب الناتج عن
صلاتها بمصر البطلمية. لذلك برز في أكسوم خليط حضاري محلي وعربي جنوبي وهيلينستي، تحمله
النقوش المكتوبة بلغات ثلاث هي السبئية والجعزية واليونانية الخاصة ببعض ملوك أكسوم، وفيها
ينتسب أولئك الملوك بالبُنُوَّة لمعبودات حضارات تلك اللغات. ولما تنصر ملك أكسوم في القرن الرابع
الميلادي دخل في الحضارة الأكسومية عنصر جديد، قبطي وبيزنطي.