+ نظرة السماء للخدمة والخدام .
مقالة للبابا شنودة قبل الرهبنة (من كتاب أنطلاق الروح من صفحة 76 إلى 88)حدث فى تلك الليلة اننى كنت وحيداً فى غرفتى الخاصة ، متمدداً على مقعدى وناظراً الى لاشئ ، واذ بإبتسامة خاطئة تمر على شفتى - لعلنى كنت افكر فى نفسى كخادم - وهنا حدث حادث غريب : هل ثقلت رأسى فنمت ، ام اشتطت افكارى فتحولت الى احلام؟ ام اشهر الله لى احدى الرؤي؟ لست ادرى ولكننى ادرى شيئاً واحداً وهو اننى نظرت فإذ امامى مجموعة من الملائكة النورانيين واذا بهم يحملونى على اجنحتهم ويصعدون بى الى فوق وانا انظر الى الدنيا تحتى فاذا هى تصغر شيئاً فشيئاً حتى تتحول الى نقطة صغيرة مضيئة فى فضاء الكون وانصت الى اصوات العالم وضوضائه فإذا هى تأخذ فى الخفوت حتى تتحول الى سكون واتأمل نفسى فإذا بجسمى يخف ويخف حتى احس كأننى روح من غير جسد - فأتلفت فى حيرة حولى لأرى أرواحاً كثيرة سابحة مثلى فى الفضاء اللا نهائى وأرى من الملائكة الوفاً وربوات ربوات - هاهم الشاروبيم ذوو الستة الاجنحة والساروفيم الممتلئون اعيناً - وهاهى اصوات الجميع ترتفع فى نغم واحد موسيقى عجيب "قدوس قدوس قدوس" ولا اتمالك نفسى فأنشد معهم دون ان احس "قدوس الله الآب ..... قدوس ابنه الوحيد قدوس الروح القدس" وأستيقظ عن انشادى لأسمع نغمة قدسية خافتة لم تسمعها اذن من قبل فأتجه فى شوق شديد نحو مصدر الصوت فإذا امامى على بعد مدينة جميلة نورانية معلقة فى مِلك الله تموج بالتسبيح والترتيل كلما اسمع منها نغماً يمتلئ قلبى فرحاً وتهتز نفسى اشتياقاً ثم انا انظر فأرى فى المدينة على بعد اشباحاً اجمل من الملائكة : هوذا موسى ومعه ايليا وجميع الانبياء هوذا أنبا انطونيوس وأنبا اثناسيوس وجميع القديسين هاهم آبائى الأساقفة وآبائى الكهنة – وها هو اب اعترافى - ثم هاهم زملائى مدرسى مدارس الاحد... ولم استطع ان اتأمل اكتر من ذلك بل اندفعت فى قوة نحو تلك المدينة النورانية ولكن
ولكن عجباً - اننى لا أستطيع التقدم فهناك ملاك جبار كله هيبة وجلال ووقار يعترض سبيلى قائلاً :
- "مكانك قف! الى اين انت ذاهب ؟" فأجيبه:
- "الى تلك المدينة العظيمة ياسيدى الملاك - الى حيث زملائى واخوتى وآبائى القديسون". ولكن الملاك ينظر الىَّ فى دهشة ويقول:
- "ولكنها مدينة الخدام فهل انت خادم؟" فلما اجبته بالإيجاب قال لى :
- "إنك مخطئ ياصديقى فاسمك ليس فى سجل الخدام" وعصفت بى الدهشة فصرخت فى هذا الملاك حارس المدينة:
- "كيف هذا؟ لعلك لا تعرفنى ياسيدى الملاك. إسأل عنى مدارس الاحد واجتماعات الشباب وأسأل عنى الكنائس والجمعيات. بل اسأل عنى ايضاً فى مدينة الخدام اذ يعرفنى هناك كثيراً من زملائى مدرسى مدارس الاحد ..."
واجابنى الملاك فى صرامة وصراحة :
- "اننى اعرفك جيداً وهم ايضاً يعرفونك ولكنك مع ذلك لست بخادم فهذا حكم الله"
ولم احتمل تلك الكلمات فوقعت على قدمى ابكى فى مرارة ولكن ملاك آخر اتى ومسح لى كل دمعة من عينى وقال لى فى رفق :
- "إنك يا أخى فى المكان الذى هرب منه الحزن والكآبة فلماذا تكتئب ؟ - تعال معى ولنتفاهم".
وجلسنا منفردين نتناقش فقال لى:
[size=21]وجلسنا منفردين نتناقش فقال لى:
- "إن أولئك الذين تراهم فى مدينة الخدام قد كرسوا كل حياتهم لله فكانت كل دقيقة من أعمارهم تنفق في الخدمة اليست هكذا كانت حياة بولس وباقى الرسل؟ اليست هكذا كانت حياة موسى والأنبياء؟ أليست هكذا كانت حياة الأساقفة والكهنة والشمامسة ؟ أليست هكذا كانت حياة القديسين؟ أما أنت ياصديقى فلم تكن مكرساً بل كنت تخدم العالم. وكل مالك من خدمة روحية هو ساعة واحدة فى الاسبوع تقضيها فى مدارس الاحد واحياناً كانت خدماتك الاخرى تجعلك تعطى الله ساعة ثانية فهل من اجل ساعتين فى الاسبوع تريد ان تجلس الى جانب الرسل والانبياء والكهنة فى مدينة الخدام؟".
وكنت مطرقاً خجلاً اثناء ذلك الحديث كله غير اننى قاومت خجلى وتجرأت وسألت الملاك: "ولكننى ارى فى مدينة الخدام بعضاً من زملائى مدرسى مدارس الاحد وهم مثلى فى خدمتى" فأجابنى الملاك:
- كلا انهم ليسوا مثلك حقيقةً انهم كانوا يخدمون ساعة او ا كثر فى مدارس الاحد ولكنهم كانوا يقضون الاسبوع كله تمهيداً لتلك الساعة فكانوا يصرفون وقتاً كبيراً فى تحضير الدروس ووسائل الايضاح وطرق التشويق والصلاة من اجل كل ذلك وبحث حالات التلاميذ واحداً واحداً والتفكير فى طريقة لإصلاح كل فرد على حدة يضاف الى ذلك انشغالهم فى الافتقاد وفى ابتكار طرق نافعة لشغل اوقات تلاميذهم اثناء الاسبوع - ثم كانت لهم خدمات اخرى مختفية لاتعرفها وهكذا كانوا يعتبرون الخدمة الروحية عملهم الرئيسى ويرون باقى اعمال العالم اموراً ثانوية - لا أعنى انهم اهملوا مسئولياتهم وواجباتهم العالمية بل كانوا مخلصين لها جداً وناجحين فيها للغاية وإن كان عملهم العالمى أيضاً لا يخلو من الخدمة وهكذا حسبهم الله مكرسين".
وعجبت من هذه العبارة فسألت "وكيف استطيع ان اكون خادماً وانا مشغولاً بعملى العالمى؟" فأجابنى الملاك :
وعجبت من هذه العبارة فسألت "وكيف استطيع ان اكون خادماً وانا مشغولاً بعملى العالمى؟" فأجابنى الملاك :
- "لعلك نسيت يا أخى عمومية الخدمة ! يجب ان تخدم الله فى كل وقت وفى كل مكان : فى الكنيسة وفى الطريق وفى منزلك وفى مكان عملك وأينما حللت او تنقلت.
"لايجب إذن الفصل بين المهنة والخدمة فعندنا فى مدينة الخدام مدرسون استطاعوا ان يجذبوا كل تلاميذهم المسيحيين الى مدارس الاحد وأن يصلحوهم ويتعهدوا بالعناية المستمرة.
وعندنا فى مدينة الخدام اطباء لم يتخذوا الطب تجارة وإنما اهتموا قبل كل شئ بصحة مرضاهم مهما كانت حالتهم المالية فكانوا فى احيان كثيرة يداوون المريض ويرسلون له الدواء - كل ذلك بدون اجر بل كانوا يقومون بتأسيس المستشفيات والمستوصفات المجانية
وعندنا فى مدينة الخدام موظفون استطاعوا ان يقودوا كل زملائهم فى العمل الى الكنيسة للاعتراف والتناول من الاسرار المقدسة. وهناك ايضاً مهندسون ومحامون وفنانون وتجار وصناع : كل أولئك كانوا خداماً فى مهنهم فهل كنت انت كذلك؟"
فخجلت من نفسى ولم اجب ولكن الملاك قال لى فى تأنيب مؤلم:
- "هذا عن الخدمة فى مجال عملك: ثم ماذا عن خدمتك فى اسرتك! - إن يشوع الذى تراه فى مدينة الخدام كان يقول "اما انا وبيتى فنعبد الرب". اما انت فلم تخدم بيتك بل كنت على العكس فى نزاع مستمر مع افراد اسرتك بل فشلت فى ان تكون قدوة لهم وأن تجعلهم يقتدون بك. ثم ماذا عن اصدقائك وزملائك وجيرانك ومعارفك؟ كنت تزورهم فى عيدى الميلاد والقيامة دون ان تحدثهم عن الميلاد والقيامة وعن الولادة الجديدة والقيام من الخطية بل تفرح معهم فرحاً عالمياً وأتيحت لك فرص كثيرة لخدمتهم ولم تستغلها فهل تعتبر نفسك بعد كل ذلك خادماً؟!"
وطأطأت رأسى خجلاً للمرة الثالثة ولكنى مع ذلك احتلت على الاجابة فقلت :
[size=21]وطأطأت رأسى خجلاً للمرة الثالثة ولكنى مع ذلك احتلت على الاجابة فقلت :
- "ولكنك تعلم ياسيدى الملاك اننى شخص ضعيف المواهب ولم اكن مستطيعاً ان اقوم بكل تلك الخدمة".
واندهش الملاك وكأنما سمع هذا الرأى لأول مرة فقال لى فى حدة:
- "مواهب؟ ومن قال انك بدون مواهب لاتستطيع ان تخدم! هناك يا أخى مايسمونه العظة الصامتة : لم يكن مطلوباً منك ان تكون واعظاً وإنما ان تكون عظة ... ينظر الناس الى وجهك فيتعلمون الوداعة والبشاشة والبساطة ويسمعون حديثك فيتعلمون
الطهارة والصدق والامانة ويعاملونك فيرون فيك
التسامح والإخلاص والتضحية ومحبة الآخرين
فيحبوك ويقلدوك ويصيروا بواسطتك اتقياء دون ان تعظ او تقف على منبر ثم هناك صلاتك من اجلهم وقد تجدى صلاتك اكثر من عظاتك".
وللمرة الرابعة تولانى الخجل والارتباك فلم احر جواباً - واستطرد الملاك فى قوله :
- "وكان يجب عليك ايضاً – كعظة صامته - ان تبتعد عن العثرات فلا تتصرف تصرفاً مهما كان بريئاً فى مظهره إن كان يفهمه الآخرون على غير حقيقته فيعثرهم - وهكذا تكون (بلا لوم) امام الله والناس كما يقول الكتاب: جاعلاً اما عينيك كخادم قول بولس الرسول "كل الاشياء تحل لى ولكن ليست كل الاشياء توافق"(1كو 6: 12)
وتأملت حياتى فوجدت اننى فى احوال كثيرة جعلت الاخرين يخطئون ولو عن غير قصد. وقطع على الملاك حبل تأملاتى قائلاً فى رفق:
[/size]
[/size]